من يقف وراء الذل والمهانة المعاصرة الواقعة بأمة الإسلام؟ لو قلت هم اليهود والنصارى؛ أقول لك نعم. ولكن أضيف لك أن هناك مشاركين آخرين من جلدتنا، سوف تعجب حينما تعرف أعدادهم وأكشف لك سرهم:
سبب ما نحن فيه من هوان هو هؤلاء الذين لا يفارقون الكبائر والموبقات من الربا والزنا وما يتفرع عنهما من معاص وآثام ومقدمات، ولا يقيمون الصلاة ولا يؤدون زكاة أموالهم، فتحول ذنوبهم بيننا وبين العزة والنصر.
سبب ذلنا وهواننا هؤلاء الذين يلهثون لإرضاء الغرب ولو على حساب شعوبهم ودينهم ومبادئهم، ففي لقاء أجراه في تونس رسام فرنسي ونشرته صحيفة لوموند الفرنسية، طلب الرسام من ياسر عرفات أن يصف رمزاً للدولة الفلسطينية التي يراها، فقال: هلال يرمز للسلام بداخله صليب وشمعدان يهودي (مجلة الرائد). وهل هناك أكثر من أن يساهم رجال وأنظمة في دعم اليهود ببيع الغاز الطبيعي، وبيع الحديد والأسمنت لبناء السور اليهودي الذي يحاصر المسلمين في فلسطين.
سبب ذلنا وهواننا هؤلاء الذين يعملون على إلهاء الناس عما يخطط لهم من مكايد، حتى صار كثير من الناس بسببهم لا في العير ولا في النفير، هملاً رعاعاً أتباع كل ناعق، ملهيين في الأغاني والأفلام والكرة، ففي جريد عربية نادى أحد الكتاب جمهور الكرة في بلده محرضاً لهم على تشجيع فريق بلاده بهذه الكلمات: عزيزي جمهور كرة القدم... أنت اليوم اللاعب رقم واحد في مباراة فريقنا القومي مع زيمبابوي، ازحف على استاد (...) لكي تكون في نصرة فريقك، نريد أن نرى شوارعنا بعد مباراة اليوم مثلما رأيناها يوم فزنا على الجزائر مشتعلة بالفرحة هاتفة بالنصر. (جريدة الأخبار). ويقول أحد المشجعين عن فوز منتخب بلاده بأنه شبيه بفتح الأندلس، ويصف أعضاء الفريق برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه (المجتمع).
أما هؤلاء الشباب الذين يتشبهون بالغربيين في ملابسهم وحركاتهم وكلماتهم وتسريحاتهم، فهم سبب رئيس في رسم صورة الهوان والذل؛ لأنهم يتشبهون بمن قتل ويقتل إخوانهم ويذلهم ويحاصرهم وينهب ثرواتهم، كما في البوسنة والشيشان وأفغانستان والعراق وفلسطين، ويعجبون ويقلدون من تسبب في موت مئات الآلاف من الأطفال بسبب الحصار، ومن تسبب في إصابة العشرات في جنوب العراق وما حوله يومياً بالسرطان بسبب ما ألقوه من اليورانيم المنضب، فقد أدى استخدام اليورانيوم المنضب في حرب الخليج الأولى عام 1991م إلى تعريض مساحات كبيرة من الأراضي لمواد مشبعة بمواد اليورانيوم والزرنيخ والزئبق والكادنيوم ، وهو ما نتج عنه إصابة أكثر من 20 ألف شخص بالسرطان بمعدل 1500 حالة سنوياً، مع استمرار انتقال غبار هذه المواد عبر الرياح إلى مناطق في الدول المجاورة لجنوب العراق (الشرق الأوسط 19-3-2004م).
إنهم فئات ساذجة من الشباب يعجبون بالغرب ويفرحون بشعارات الحرية فيه، ولا يعرفون أن اللجنة البوسنية للبحث عن المفقودين عام 2004م اكتشفت 18 ألف جثة للمسلمين في 363 مقبرة جماعية جراء مذابح الصرب، أما عدد المقابر غير الجماعية (أقل من 4 جثث في المقبرة) والتي عثر عليها منذ عام 1996م وحتى الآن فعددها3800 مقبرة (موقع المسلم 17-11-1425هـ).
سبب ما نحن فيه من هوان هو هؤلاء الذين لا يشاركون في المقاطعة الشعبية للمنتجات والشركات التي لها دور في معاونة سياسات الغرب الاستعمارية، ولا يستحي هؤلاء من أن تدافع عن بعض حقوق المسلمين أفراد أو جهات غربية، من وجهة نظر إنسانية، وهم يخذلون المسلمين، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" في موقعها على الإنترنت, أن شاي ودافنا لانغ, وهما من سكان تل أبيب, حينما ذهبا إلى فرنسا للسياحة في منطقة فروبانس, فوجئا برفض إدارة فندق "دي لا فاب" تأجير إقامة لهما؛ لأنه يفرض مقاطعة على إسرائيل، وقالت صاحبة الفندق الفرنسي السيدة سيسيل موزوا: "هذه هي الطريقة الوحيدة التي وجدناها للتعبير عن معارضتنا للسياسة الإسرائيلية, نحن لا نتفق مع شارون ونهجه"، وأضافت أن الفنادق المجاورة لفندقها تتهرب هي الأخرى من استضافة الإسرائيليين بسبب المقاطعة".
ما نحن فيه من ذل سببه هؤلاء الذين يضيعون أموالهم وأموال أمتهم في العبث واللهو والسفه؛ وهم مشاركون في إنزال الذل والهوان بالأمة، لأن أموالهم لو ذهبت إلى فقراء إفريقيا مثلا ما استطاع النصارى تنصير كثير منهم بإغراءات المال والعلاج والتعليم. وفي مقابل هذا التهاون في المسلمين تجد المجتمعات الغربية ومؤسساتها التجارية تنفق على التنصير في إفريقيا وحدها 151 بليون دولار (مجلة الدعوة السعودية)، أما في بلاد المسلمين فقد أنفق زعيم هالك ملايين الدينارات التونسية على تماثيله التي ملأ بها الشوارع والساحات، حتى إذا انقضى عهده جمعها من جاء بعده ورمى بها في المخازن (مجلة الاعتصام)، وهكذا تضيع أموال المسلمين في مثل هذا السفه.
ومن المشاركين في إضعاف الأمة وإذلالها هؤلاء الذين تصب استثماراتهم في بنوك وجيوب أعدائنا، حيث قُدرت الأموال العربية المودعة في الخارج بحوالي 1200 مليار دولار (صحيفة الحياة 19-3-2005م)، وذكرت صحيفة البيان الإماراتية أن 90% من تجارة العالم الإسلامي تتجه إلى الدول الصناعية الغربية، وأن هذا الرقم مرشح للزيادة في ظل الاقتصاد المتعدد الجنسيات (البيان الإماراتية عدد 4209). وهكذا يعمل هؤلاء على تقوية اقتصاد الغرب وإضعاف اقتصادنا، دعم عملات الغرب وخفض عملاتنا، ولذلك ذكر مصرف التسويات الدولية أن انخفاض أسعار الدولار تعني أن المصارف المركزية في أنحاء العالم التي لا تزال تحتفظ بما لا يقل عن ثلاثة أرباع احتياطها مقوماً بالدولار؛ سوف تخسر مبالغ ضخمة، ومن بينها الدول المصدرة للنفط (الحياة 8-6-2003م).
سبب ما نحن فيه من هوان هو هؤلاء الذين رزقوا بالمال والثروة فآلوا على أنفسهم ألا ينفقوها إلا في تضليل الأمة والعبث بعقول شبابها وفتنتهم عن دينهم بالمجون واللهو والفسق، فلو بحثت عمن يقف وراء القنوات الفضائية الماجنة لفوجئت بأن أسماءهم ليست جون ومايكل ويهوذا، بل ستجد أسماء عربية تدل على أن دين أصحابها الإسلام.
ألم يكن من الخير والقوة لأمتنا أن ينفقوا تلك الأموال لبناء المدارس وتعليم أبناء المسلمين الذين تبلغ أعداد الأميين فيهم أرقاماً مذهلة، فعلى مستوى العالم العربي هناك مليون عربي بالغ أميون، وتمثل المرأة العربية ثلثي هذا الرقم، وهناك عشرة ملايين طفل عربي في سن التعليم الأساسي (6ـ 15سنة) خارج مدارس التعليم، ولا تتجاوز نسبة الالتحاق بالتعليم العالي 13% مقارنة بنظيرتها في دول الشمال والشرق المتقدمين 67% (الأهرام العدد 42882)، ألم يكن من الخير لهؤلاء أن ينفقوا أموالهم في مشروعات البحث العلمي، والتي يهرب علماؤنا إلى الخارج بسبب عدم وجود التمويل الكافي لتغطية نفقاتها، فتؤدي هجرتهم إلى خسارة اقتصادية كبيرة تكلف الدول العربية سنوياً حوالي 1.5 مليار دولار (سويس إنفو 27-8-2003م)، في حين تربح الدول الغربية باستقطاب العلماء إليها، ذكرت دراسة إحصائية أن 50 % من الأطباء، و23 % من المهندسين، و15 % من العلماء يُـهاجرون إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا، ويشكل الأطباء العرب العاملين في بريطانيا حوالي 34 % من مجموع الأطباء المهاجرين هناك، وتحتضن أمريكا حالياً أكثر من 450 ألف عربي من حاملي الشهادات والمؤهلات العليا، ولا يعود 54 % من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج إلى بلدانهم، وتستقطب ثلاث دول غربية غنية هي أمريكا وكندا وبريطانيا نحو 75 % من المهاجرين العرب، وتساهم الدول العربية بنحو 31 % من هجرة الكفاءات والعقول من البلدان النامية.
وبسبب هذا التوجيه غير السوي للأموال والإهمال في الإنفاق على البحث العلمي؛ فإن البلاد العربية تقع في ذيل القائمة، حيث تنفق 0.14 % فقط من ناتجها الإجمالي على البحث العلمي، مقارنة بإسرائيل 2.35 %، واليابان 2.9 %، وأمريكا 3.3 % (الأهرام العدد 42882).
واستمرار هذه المأساة يعني أن تبقى دول المسلمين العربية عاجزة متخلفة عن ركب التقدم، وتظل عالة على الدول الغربية تستجدي منها الطعام والدواء والسلاح والتكنولوجيا، مهددة في كل وقت بقطع ذلك عنها، ويستغل ضعفها هذا في ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي عليها.
إننا حقاً نصنع ذلنا وضعفنا بأيدينا، ونجرئ أعداءنا علينا، مع أن الله – تعالى - وهبنا أسباب القوة؛ ولكننا لا نأخذ بها، ومنحنا مصدر العزة والكرامة؛ لكننا لا ننتفع به.