بسم الله
ملخّص
يبيِّن البحثُ قليلاً من الأسرار الفيزيائيّة الفلكيّة الكثيرة والعظيمة الّتي ينطوي عليها القسم الرّباني بمواقع النجوم، ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إنّهُ لقُرآنُُ كريم) (الواقعة الآيات 75-77). وذلك من خلال ذكر بعض التَّعقيدات الفيزيائيّة الّتي تكتنف حساب أبعاد النُّجوم عن كرتنا الأرضيّة.
المقدمة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، الحمد للّه ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة وأتمُّ التّسليم على الرّسول الكريم، محمّد بن عبداللّه، خير خلق اللّه، وخاتم الرّسل والنّبيّين، بعثه في الأميّين (يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين). أللّهمّ آت محمّداً الوسيلة والفضيلة، والدّرجة الرّفيعة العالية، وابعثه اللهُمَّ مقاماً محموداً الّذي وعدته.
أمّا بعد، فهذا البحث محاولة فيزيائيّة من أجل الوقوف على بعض جوانب الإعجاز والعظمة في القسم الرّباني بمواقع النّجوم. فمن أجل لفت الأنظار إلى أهمية مواقع النجوم، أقسم الله بها. قال تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) (الواقعة الآيات 75-76). من واجبي كمسلم أن أوظّف تخصّصي من أجل بيان جوانب العظمة الّتي اشتملت عليها آية القسم بمواقع النُّجوم إلى حدٍّ مقبول وغير مسبوق. أمّا الإحاطةُ بجميع جوانب الإعجاز في هذه الآية، فهي ولا شكٌّ فوق مقدور البشر (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)، ولا يعلمها إلاَّ خالقُ الأكوان ومُنزِّلُ القرآن.
وسينصبُّ البحث فقط على بيان بعض جوانب الإعجاز والأسرار الفيزيائيّة الفلكيّة الّتي انطوت عليها الآية الكريمة على اعتبار أنَّ المقصود بمواقع النُّجوم هو موقعها (position vector) وبعدها (distance)من الكرة الأرضيّة.
يقع البحث في مطلبين اثنين: الأوَّلُ مواقع النُّجوم من الوجهة الشّرعيّة، والثاني الاستعانة بالفيزياء الفلكيّة من أجلِ التّعمُّق في فهم مدلول آية القسم بمواقع النّجوم
المطلبُ الأوَّلُ: مواقع النُّجوم من الوجهة الشّرعيّة
الفرع الأوّل: أقوال بعضُ المفسِّرين في "مَوَاقِعِ النُّجُومِ"
مواقع النُّجوم مساقطها ومغاربها في قول قتادة وغيره. عطاء ابن أبي رباح: منازلها. الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة (1) وقال ابن عبّاس: يعني نجوم القرآن، فإنّه نزل جملة ليلة القدْر من السّماء العليا إلى السّماء الدُّنيا، ثمَّ نزل مفرّقاً في السّنين بعد، ثمَّ قرأ ابن عبّاس هذه الآية، وقال مجاهد: "مَوَاقِعِ النُّجُومِ" في السّماء ويقال مطالعها ومشارقها، وهو اختيار ابن جرير، وعن قتادة: مواقعها: منازلها، وعن الحسن: أنَّ المراد بذلك انتثارها يوم القيامة (2).
الفرع الثاني: قرب مجرّتنا من البناء السَماوي الأوّل
- حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي السَّمْحِ عَنْ عِيسَى بْنِ هِلالٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ رَصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ هِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الأرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا (3).
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي السَّمْحِ عَنْ عِيسَى بْنِ هِلالٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ رَصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ جُمْجُمَةٍ أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الأرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا (4).
الرِّوايتان السابقتان للحديث الحسن الصحيح المرفوع تؤكّدان قرب مجرَّتنا من البناء السّماوي الأوّل. كما تؤكِّدان أنَ طول السِّلسلة من سلاسل جهنّم كبير جدّا بالمقارنة مع البعد بين كرتنا الأرضيّة والبناء السّماوي الأوّل (5).
إنَّ قرب مجرّتنا وكذلك قرب العديد من المجرّات النّيّرة من بناء السّماء يجعله عرضةً للتّسخين من قبل المجرّات وللتّبريد البطيء المنتظم والمستمرّ نتيجة للتّمدّد، ممّا يؤدّي إلى مزيدٍ من تحسين التّركيب البلّوري لبناء السّماء (5). وممّا يشير إلى هذا الرّباط الوثيق بين النّجوم والسّماء الحديث الشّريف : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ كُلُّهُمْ عَنْ حُسَيْنٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ مُجَمَّعِ بْنِ يَحْيَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ( صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُلْنَا لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَالَ فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأَمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ) (6). الأمَنَةُ والأمن والأمان بمعنى واحد. ومعنى الحديث أنّه ما دامت النجوم باقية فالسّماء باقية. فَإِذَا انكدرت النّجوم وتناثرت في القيامة وهنت السّماء فانفطرت وانشقت وذهبت (6). إذن النّجوم يوم القيامة ستنفصل عن بناء السّماء وينفرط عقدها.
الفرع الثالث: أفلاك النُّجوم
إنَّ القرآن هو أول كتاب أشار إلى أهمية النجوم للسيارة كعلامات يهتدى بها في البرِّ والبحر. يقول سبحانه وتعالى: (وعلامات وبالنّجم هم يهتدون) [النحل آية 16]. وذلك أنَّ للنجوم مسارات، يقول سبحانه (لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الّيل سابق النّهار وكلّ في فلك يسبحون) [لأنبياء آية 33].
المطلبُ الثاني: الإستعانة بالفيزياء الفلكيّة من أجلِ التّعمُّق في فهم مدلول آية القسم بمواقع النّجوم
إنَّ من بعض جوانب إعجاز القرآن إعجازه العلميّ، وهذه الآية كما يوضِّحُ البحث تحتوي على إعجازٍ فيزيائيِّ (physical) وكونيّ (cosmological).
الفرع الأوّل: عِظَمُ الأبعاد والمسافات الفاصلة بين النّجوم
إنَّ المسافات بين النجوم تبلغ حدوداً هائلة. فمثلاً نجد أن أقرب نجم إلينا، بعد الشّمس، يبعُد عنَّا 4.5 سنة ضوئية. أمّا نجوم المجرّات السحيقة، فبعدها من رتبة (of the order) عشرة مليار سنة ضوئيّة (7). حيث السّنة الضوئيّة هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة، وبسرعة 300 ألف كيلومترا لكلِّ ثانية.
الفرع الثاني: موقع الأرض
ثم إن هناك مدلولاً علميَّاً آخر للقسم بمواقع النُّجوم، فمثلا موقع الأرض يُعدُّ موقعاً بالغ الدِّقة بالنّسبة إلى الشّمس:
لو كانت الأرض تبعد عن الشمس ضعف بعدها الحالي، لنقصت كميَّة الحرارة التي تصلنا إلى ربع كميتها الحالية (، ولقطعت الأرض دورتها حول الشمس في وقت أطول من دورتها الحاليّة بما نسبته (9)، وذلك تبعاً لقانون كبلر الثالث (9)، وعندها يزدادُ طول فصل الشتاء بنفس النّسبة. وهذا يؤدِّي إلى تجمُّد الكائنات الحيّة على سطح الأرض شتاءً.
لو اقتربت الأرض من الشمس إلى نصف المسافة التي تفصلهما الآن لبلغت الحرارة التي تتلقاها الأرض من الشمس أربعة أمثال ما تتلقاه منها الآن (، مما يحول دون استمرار الحياة بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض. وينتج عنه تضاعف سرعة الأرض في دورتها حول الشمس بنسبة ، وبالتالي تنعدم الفصول، وتستحيل الحياة.
المجموعة الشّمسيّة هي جزءٌ من مجرَّة درب التّبانة وتقع على بعدٍ متوسِّط من مركز المجرَّة. بعدها عن المركز حوالي 8500 فرسخ(parsec) (10 )، حيث الفرسخ 3.26 سنة ضوئيَّة (11).
إنَّ مجرَّة درب التّبانة تقع في مكانٍ قريبٍ من بناء السّماء الدُّنيا، وهذا موقع أمانٍ لأنَّ النّجوم يوم القيامة ستنفصل عن بناء السّماء وينفرط عقدها (5). وكل نجم في موقعه المتباعد عن موقع باقي نجوم المجرّة، قد وضع هناك بحكمة وتقدير. وهو منسق في آثاره وتأثراته مع سائر النجوم.
سيجهد الباحث في تسليط الضوء على بعض جوانب عظمة القسم بمواقع النُّجوم. وتُعرضُ جوانبُ الإعجاز بشكلٍ أكبر كثيراً جدَّاً مما كان يعلمه الصَّحابة –رضوان اللّه عليهم- المخاطبون بالقرآن أوّل مرَّة، وهو في الوقت ذاته أصغر بما لا يقاس من الحقيقة الكلِّيَّة لعظمة القسم: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ).
الفرع الثالث: كيفية تحديد مواقع النُّجوم
1) زاوية اختلاف المنظر أو التزيّح (Trigonometric Parallax)
يستخدم الفلكيّون زاوية اختلاف المنظر أو التزيّح من أجل قياس أبعاد النجوم القريبة منَّا (12). فعندما تقوم بتوجيه بصرك نحو إحدى البنايات مثلاً، فإنك سترى بيوتاً أو علامات أخرى بعيدة خلف البناية. ولو تحرّكت قليلاً إلى اليمين أو اليسار، ونظرت إلى نفس البناية، سترى أن العلامة التي كانت تقع خلف البناية قد تحرَّكت (ظاهرياً) وأصبحت في مكان آخر. وستجد بذلك أنَّك صنعت مثلثاً متساوي الساقين، قاعدتُه هي المسافة التي تقع بين النقطتين اللتين وقفت عندهما. ولو قِسْتَ الزَّاوية التي تراها من كلِّ جانب لاستطعت أن تجد زوايا هذا المثلث، وإذا قِسْتَ المسافة بين النقطتين اللتين وقفت عندهما، فيمكن من خلال حساب المثلثات أن تعرف بعد هذه البناية.
2) نجوم باقي المجرَّات والمجرَّات البعيدة
أما النجوم البعيدة نسبياً، والموجودة في مجرَّات غير مجرتنا فتقاس أبعادها عن طريق مقارنة شدَّة لمعانها مع شدَّة لمعان نجم قريب داخل مجرَّتنا. ويراعى هنا أن يكون للنجمين نفس الخصائص الطيفية (Same spectral class) (15).
هذا ويصعب تمييز النُّجوم عن بعضها البعض داخل المجرات البعيدة، وعندها نستطيع فقط حساب بعد هذه المجرات ويتعذر تحديد مواقع النجوم داخلها (16). ومن أجل قياس بعد هذه المجرات، يقوم الفلكيون بقياس الحيود نحو الأحمر أو الإزاحة الحمراء (Doppler Red shift) لأطياف هذه المجرَّات (17). فلقد لاحظ الفيزيائيون أن الأطياف الواصلة من الأجسام التي تتحرك مقتربة منا يحصل لها حيود نحو الأزرق (18). أما إذا كان هذا الجسم يبتعد عنا فإن موجات الطيف الواصلة منه سوف تطول أي أن الطيف سيحيد نحو الأحمر (Red shift) (18). وتستطيع أجهزة قياس الطيف تحديد بعد الجرم السماوي المرصود من خلال تحديد حيود الطيف، وبالتالي معرفة بعد الجرم المرصود .
أما المجرات ذات البعد السحيق فلا يُعرف ما إذا كانت سرعة ابتعادها v عن بعضها البعض تحقِّق قانون هابل الخطي v = Hd، أم أن سرعة تباعدها تتناسب مع مربع المسافة d الفاصلة بينها. وبالتالي لا يمكن قياس المسافة الفاصلة بينها بشكلٍ دقيق (19). وممّا يزيد في التّعقيد أنَّ القيمة العدديَّة لثابت هابل Hubbles constant) H )، تنحصر ضمن نطاق واسع، ولا يمكن تحديدها بشكل دقيق، لا بل إنَّ قيمة H تتغيّر مع الزّمن (20-22).
هذا ويستحيل رصد نجوم قيمة انحرافها نحو الأحمر z تزيد عن ألف، وذلك أنَّ هذا يرجع إلى فترة ما قبل التَّمايز بين الإشعاع والمادّة (epoch of decoupling)ب(23).
3) المواقع قديمة
هذا وإنَّ المواقع التي نحسبها للنُجوم والمجرَّات هي قديمة، حيث أنَّ المجرَّات قد تحرَّكت وتغيَّرت مواقعها أثناء رحلة ضوئها إلينا، إذ أنّ بعد بعضها عنّا يزيد على مليار سنة ضوئيّة. وبالتالي فإنَّنا نستكشفُ تاريخ النّجوم وماضيها السّحيق. كما يستكشفُ رجلُ الآثار ماضي الحضارات الَّتي لرُبَّما قد بادت.
4) مسارات الأشعَّة غير محدّدة
هذا وإن مسارات الأشعة الواردة ليست مستقيمة، حيث أن الأشعة تنحرف عند تعرُّضها لجذب النُّجوم. وكذلك فإن مسار الضوء داخل الغلاف الجوي ليس مستقيماً. داخل الغلاف الجوي يلاحظ ازدياد إنحراف مسار الشّعاع عن الخطّ المستقيم عندما ، حيث هي زاوية ميلان موقع النّجم عن الرّأسي (24). ونحن نرى النَّجم في موقع على استقامة الشعاع الواصل إلى أعيننا بعد أن تعرّض هذا الشّعاع لعدَّة انكسارات في مساره.
وإنَّ مسار الشّعاع الضوئي داخل الغلاف الجويّ يعتمد على درجة الحرارة وعلى الرّطوبة، كما ويعتمد على الإرتفاع عن سطح البحر. وبالإضافة إلى هذه العوامل، فإنَّ العتوميّة (Opacity) وبالتالي لمعانيّة النّجم يعتمدان كذلك على الطّول الموجي للشُعاع (25).
الفرع الرَّابع: تعذّر وجود الوسيلة المناسبة لقياس بعد معظم المادّة الكونيّة عنّا
1) المصادر الرَّاديوية (Radio Sources)
لقد أسهم تطوير التلسكوب الرَّاديوي في رصد نجوم خافتة ومعظمها على مسافات بعيدة. غالبيّة هذه النّجوم لم يتمَّ رصدها بواسطة أجهزة رصد بصريَّة، وبالتالي فإنَّه لم يتوفَّر بعد وسيلة لقياس الحيود نحو الأحمر أو الإزاحة الحمراء (Doppler Red shift) لأطياف هذه النَّجوم، وذلك أنّه لم يتمّ بعد رصد أطياف راديوية من نجوم مختلفة يمكن تمييزها عن بعضها البعض (40).
2) المادّة المظلمة
إنَّ غالبيّة مادّة الكون مادّة مظلمة غير مشعّة، ويُحسُّ بها فقط عن طريق تأثيرها الجذبي (42،41). هذا ولا يزال مانسبته حوالي 0.70 من المادّة الكونيّة مفقودٌ ولم يتوصَّل علمُ الكون والفلك بعد إلى تحديده (43). ولم يتيسّر بعد بيان ما إذا كانت المادّة نجميّة أو خلاف ذلك (44)، ناهيك عن أن يستطيع علماءُ الكون تحديد موقع هذه المادّة المظلمة.
3) تأثُّر الضوء بعوامل مجهولة
هذا وتوجد عوامل فيزيائيّة أخرى لم يتطرّق لها البحث، ومن شأنها التأتير على الضوء الصادر من النّجوم، ممّا يجعلها تظهر في غير موقعها الحقيقي. هذا ولا بدّ من وجود عوامل فيزيائيّة أخرى لم يتم بعد دراسة تأثيرها على الموقع المحسوب للنجم. وبالتالي يمكننا القول وبدون أدنى شكّ أنَّ معظم النّجوم لا يعلم مواقعها إلاَّ خالقها.
الخلاصة
يناقشُ البحث القليل من أسرار كثيرة وعظيمة ينطوي عليها القسم الرّباني بمواقع النجوم، وذلك من خلال ذكر بعض التَّعقيدات الفيزيائيّة الّتي تكتنف حساب أبعاد النُّجوم عن كرتنا الأرضيّة. وتبيّن أنَّ العلم الدّقيق بمواقع النّجوم ومنازلها لا يحيطُ به إلاّ خالقها سبحانه وتعالى. ويترتّبُ على ذلك عدم معرفة منازلها في السّماء، وعدم تحديد مطالعها ومشارقها بشكلٍ دقيق. وبالتالي أيّاً كان المقصود بمواقع النّجوم: منازلها في السّماء، مطالعها ومشارقها، انكدارها وانتثارها يوم القيامة، نجوم القرآن، فأيُّ شيءٍ من ذلك لا يحيطُ بعلمه إلاّ الخالق سبحانه وتعالى. إنَّ انكدار النُّجوم وانتثارها يوم القيامة لا يحيطُ بهوله إلاَّ اللَّهُ، ولا يأتي يومُ القيامة إلاَّ بغتةً، ولم يجلِّي سبحانه وتعالى علم السّاعة لأحدٍ من خلقه. إنَّ هذا القرآن لهو وحيُ الخالق العليم بما خلق إلى محمَّدٍ – صلَّى اللّه عليه وسلّم – الرّسول الأميّ الّذي ما كان ليعلم أسرار عظمة القسم بمواقع النّجوم لولا وحيُ الخالق إليه.